ادعمنا

مفهوم الشرعية - The Concept of Legitimacy

تعددت التعريفات التي تناولت مفهوم الشرعية (legitimacy)، الذي يعد أحد أهم المفاهيم الأساسية في علم السياسة، والذي يشير إلى الرضا والقبول العام للنظام السياسي كونه موافقة الشعب للخضوع وتقديم الطاعة لسلطة معينة تقوم بممارسة مهامها في إطار هذه الطاعة والرضا.

ومن هذا المنطلق يتضح أن القبول والطاعة هما أساس الشرعية، وتُعد السلطة استبدادية في حالة عدم وجود رضا شعبي بدرجة مقبولة، ولذلك فإن أي نظام سياسي بحاجة إلى قبول شعبي ورضا جماهيري من الطبقات الاجتماعية كافة، مع التركيز على الطبقات الأكثر فاعلية وتأثيرًا.

تنبع أهمية الشرعية من كونها القوة التي يستند عليها النظام  في مقابلة خصومة المعارضة، إذ دائما ما تحاول المعارضة  نفي الشرعية عن النظام أو حتى تنتقص منها كذريعة لرفض سيطرة النظام ومحاولة التشكيك في شرعيته تمهيدًا لإسقاطه، وتعد كلّ من المظاهرات والاعتصامات ودعوات الانفصال أو التحرر ومطالبات التقسيم الفيدرالي أو الكونفدرالي  مظهرًا من مظاهر فقدان شرعية النظام الحاكم، وعلى النقيض من ذلك يعد الاستقرار السياسي والاقتصادي دليلًا على تمتع النظام الحاكم بالشرعية ووجود قبول ورضا شعبي بأداء السلطة . 

 

المفهوم من الناحية اللغوية:

تعرف الموسوعة السياسية مصطلح الشرعية على أنه مفهوم سياسي مركزي مستمد من كلمة شرع، أي قانون أو عرف معتمد وراسخ، ويرمز إلى العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم، المتضمنة توافق العمل أو النهج السياسي للحكم مع المصالح والقيم الاجتماعية للمواطنين، بما يؤدي إلى القبول الطوعي من قبل الشعب بقوانين وتشريعات النظام السياسي، وهكذا تكون الشرعية علاقة متبادلة بين الحاكم والمحكوم. 

وفي الموسوعة الاجتماعية يُنظَر إلى الشرعية على أنها أساس السلطة السياسية التي تمارسها أداة الحكم سواء كانت فردًا أو شعبًا بأكمله، إسنادًا إلى الشعوب بأن لها حقًّا ثابتًا في ممارسة الحكم مع اعتراف المحكوم بذلك.

وتنظر الموسوعة السياسية إلى "الشرعية" باعتبارها مفهومًا سياسيًّا محوريًّا، تحدد به وضعية نظام الحكم وقانونيته وتفسير وجوده، وهو يعني باختصار ذلك القبول الطوعي والجماعي من جموع الشعب للقوانين والتشريعات التي يضعها النظام السياسي، وهذا بدوره لا يتحقق إلا إذا توافق العمل السياسي وتوجه الحكم إلى صالح المواطنين وقيمهم الاجتماعية .

أما أصل كلمة شرعية -legitimacy  هو "Legitimus"وقد استخدمه الرومان بمعنى التطابق مع القانون، وبعدها أصبح في عصر النهضة يعبر عن العقل الخالق والوعي الجماعي، ويعد "جون لوك"  أول من استخدم مفهوم الشرعية كأساس لتحليل ظاهرة السلطة، وبعدها تطور المفهوم في العصور الحديثة، بحيث أصبح يعبر عن اختيار وتقبل المحكومين للحاكم والنظام السياسي، وعليه فقد برز عنصر الاختيار والرضا كعناصر أساسية لمفهوم الشرعية، وقد طرحت ثلاثة اتجاهات للتعريف:

 1 -اتجاه قانوني: يعرف الشرعية على أنها سيادة القانون، أي خضوع السلطات العامة للقانون والالتزام بحدوده، ويمتد القانون ليشمل القواعد القانونية المدونة وغير المدونة، أي الدساتير والأعراف.

2- اتجاه ديني (القانون الإلهي): ويعرف الشرعية على أنها تنفيذ أحكام الدين، وجوهره أن النظام الشرعي هو ذلك النظام الذي يعمل على التطبيق والالتزام بقواعد الدين أو القانون الإلهي، ويقصد بالدين الحقيقة المنزلة.

3- اتجاه اجتماعي سياسي: حيث يعرف الشرعية بأنها تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم لها طواعية، لاعتقادهم بأنه يسعى لتحقيق أهداف الجماعة، ويعبر عن قيمها وتوقعاتها، ويتفق مع تصورها عن السلطة وممارستها.

ولكن من جهة أخرى، فإن مفهوم الشرعية في اللغة العربية يختلف إلى حد ما عن المفهوم في الفكر الغربي؛  ففي العربية: الشرع  والشريعة والشرعية، والتشريع والمشروع، كلها من جذر وأصل لغوي واحد هو (ش،ر،ع)، والشرع لغة: يعني البيان والإظهار، ويقال شرع الله كذا أي: جعله طريقًا ومذهبًا، والشرع مرادف للشريعة، وهي ما شرع الله لعباده من الأحكام، والشرعية كصفة للأفعال المطابقة للقانون أو المقيدة  به، ويقصد بالقانون الأحكام المستندة للشريعة الإسلامية.

 

المفهوم من الناحية الاصطلاحية:

الشرعية اصطلاحًا هي سيطرة القانون وإعلان علوه وسموه، ونبذ التحكم، ورفض مبدأ إعفاء السلطة من الخضوع للقانون (الحكم وفقا للقانون). ومن هذا المنطلق يرى البعض أن الشرعية - legitimacy ترادف في معناها مصطلح البيعة - Homage في التراث العربي والإسلامي، فالبيعة كما يقول ابن خلدون "هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين ولا ينازعه في شيء من ذلك وبطبيعة الحال فيما يكلفه به من الأمر على النشاط والحركة، وكانوا إذا بايعو الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدًا للعهد. ومن خلال هذا التعريف نخلص إلى أن الشرعية من المنظور الإسلامي ووفق وجهة نظر ابن خلدون ترتكز حول فكرة أساسية ومفادها هو الطاعة بالدرجة الأولى؛ إذ أن الأمير هو صاحب السلطة والسيادة وله كل الصلاحيات، وله الحق في الأمر والنهي، وما على المحكومين سوى الامتثال والطاعة، فهم الذين قاموا بمبايعته وإعطائه مركز الأمير والحاكم الذي يتولى السلطة، والواجب عليهم هو الطاعة والامتثال لأوامره  ومطالبه.

وفي الحقيقة فـإن غالبيـة التعريفـات المعطاة للشرعية هي في غالب الأحيان غامضة وغير محددة بشكل دقيق، فقد عرف "علي الدين هلال" الشرعية على أنها القبول الطوعي للسلطة تقتني ما تخطط له وتنفذه من سياسات تستلهم تطلعات الجماهير وتجسدها، كما أن الشرعية هي محصلة التفاعل بين مجموعة من العناصر والمتغيرات، وهي  شكل رئاسة الدولة والعلاقات بين السلطات أو طبيعة النخب الحاكمة أو الإيدلوجيات الرسمية، أو العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية وشكل النظام الحزبي.  فيما يعتبر "سعد الدين إبراهيم" أن جوهر الشرعية هو قبول الأغلبية العظمى من المحكومين لحق الحاكم في أن يحكم، ويمارس السلطة باستخدام القوة أيضًا، وبالتالي فالشرعية هي قبول المحكومين وليس إذعانهم لحق فرد أو مجموعة أفراد في أن يمارسوا السلطة عليهم، ويرجع سبب موافقة المحكومين لحق الحاكم في أن يحكم، أنه ناتج عن معتقدهم الديني، أو بوحي من تقاليد قديمة توارثوها عبر الأجيال.

وعلى صعيد الفكر الغربي،  فقد أوضح بـول باسـتيد -Paul Bastid   أن مصـطلح الشرعية  يعني أساس السلطة وتبرير الخضوع أو الطاعة الناجمة عنهـا. وقـد جـاء تعريف ميشيل دوبري - Michel Dobry للشرعية أكثر وضوحًا؛ إذ يرى أن الحكام يجب أن يستندوا إلى احتياطي من الشرعية أو الدعم الانتشاري مما يقتضي أن يكون هؤلاء الحكام " شـرعيين" بطريقـة أو بـأخرى فالحكام والمؤسسات التي يمارسون السلطة من خلالها و السياسات العامة التي يضعونها وينفذونها يجب أن تتوافق مع معتقدات المحكومين وقيمهم وميولهم ومشاعرهم، أولا تبتعد عنهـا صـراحة أو بشكل دائم.  ومن جهته يؤكد جان لويس - John Lewis ، أن "مبدأ الشرعية يكمن في امتثال حكومة دولة ما للقـيم التي يرتكز إليها النظام الذي تضمن عمله وسيرورته.

وبالنسبة لـ موريس دوفرجيه - Maurice Duverger، يكون شرعيًّا كل نظام سياسي يمتثل للإجماع الشعبي، ووفـق هـذا المنظور، يكون الشرعي ليس فقط النظام الذي يعمل وفقًا لقيمه الخاصة، وإنمـا ذلـك الـذي يستجيب، على الأقل بشكل ضمني، للتطلعات الشعبية.

وبالنسبة إلى ماكس فيبر- Max Weber تكون الشرعية علاقة تبادلية بين الحكام والمحكومين، فمقابل طاعة المحكومين للأوامر الصادرة عن السلطة يقوم الحاكم بتقديم دليل على قدرته على خدمة شعبه. كما يرى  فيبر – Weber  أن الشرعية تشير إلى الاعتقاد بـ "الحق في الحكم"، بمعنى آخر، يمكن وصف نظام الحكم بأنه شرعي شريطة أن يكون شعبه مستعدًا للإذعان والطاعة.
ويعتقد أرسطو-  Aristotle أن الحكم يكون شرعيًّا فقط عندما يعمل لصالح المجتمع ككل، وليس من أجل المصالح الأنانية للحكام.

ويعتقد روسو- Rousseau أن الحكومة تكون شرعية إذا كانت معتمدة على "إرادة العامة". فيما حاول دافيد بيتهام -Beetham David في كتابه "إكساب الشرعية للقوة - Legitmation of Power" 1991 ، أن يطور مفهومًا علميًّا للشرعية، انطلاقًا من مفهوم فيبر، حيث من وجهة نظر بيتهام - Beetham أنه يمكن اعتبار القوة شرعية إذا استوفت ثلاثة شروط: أولاً: يجب أن تمارس القوة طبقًا لقواعد راسخة، سواء كانت متضمنة في مجموعة قوانين رسمية أو مواثيق غير رسمية. ثانيًا: يجب أن تبرر هذه القواعد من منظور المعتقدات المشتركة للحكومة والمحكومين. ثالثاً: يجب أن يتم إثبات الشرعية بالتعبير عن الموافقة من جانب المحكومين.

 

نظريات نشوء الشرعية:

من المعروف أن الدولة تتمتع بسلطة سياسية، وتتمثل هذه السلطة بوجود حكام يصدرون الأوامر والنواهي باسم الدولة، ويتعين على الأفراد طاعة الحاكمين وذلك بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.
ومما يلفت الانتباه إليه هو البحث عن أساس شرعية سلطة الدولة، والذي تناولته نظريات عديدة وهذه النظريات هي:

أولًا : " نظرية الأساس المقدس للسلطة": "أي النظريات الدينية أو الثيوقراطية" ، " ولقد أخذت هذه النظريات أشكالًا عديدة تتمثل في:

أ- "نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم" : حيث تقوم هذه النظرية على أساس أن الحاكم ذو طبيعة إلهية فهو لم يكن مختارًا من قبل الله بل إنه هو الله نفسه، ونتيجة لذلك فإن الحاكم يتمتع بسلطة مطلقة تنصب على إقليم الدولة ومن عليه، ذلك لأن الدولة وحاكم الدولة يعتبران مقدسان ولا يجوز المساس بهما، وبذلك تؤدي هذه النظرية إلى التسليم للحاكم بالسلطان المطلق الذي لا تقيده قيود والذي لا يترتب عليه أية مسؤولية أمام الشعوب. 

ب- " نظرية الحق الإلهي المباشر" : وتسمى "نظرية التفويض الإلهي"، وجاءت في مرحلة لاحقة "للنظرية الإلهية للحاكم" ، حيث لم يبق الحاكم إلهًا أو من طبيعة إلهية، وإنما يستمد سلطته من الله مباشرة فالحاكم يختاره الله ويودعه السلطة ومن ثمّ فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر.

 ت-" نظرية الحق الإلهي غيرالمباشر":وتسمى "نظرية العناية الإلهية" والتي ظهرت في العصور الوسطى، وهذه الفكرة الجديدة مفادها أن الله لا يختار الحاكم اختيارًا مباشرًا وإنما يرشد الشعب إلى الطريق الذي يؤدي إلى اختياره، وبهذا يكون الحاكم قد تولى السلطة عن طريق الشعب بتوجيه من الإدارة الإلهية، أي بمقتضى الحق الإلهي غير المباشر.  وبالرغم من كل هذا تتفق هذه النظرية وغيرها من النظريات الثيوقراطية على أن السلطة من عند الله وإن كانت تفترق عنها في أنها  تجعل اختيار الحاكم من قبل الشعب، ولكن الحاكم الذي يمارس السلطة الإلهية يستطيع أن يستبد بها؛ إذ إنه يستمد سلطته من عند الله ، فهو لا يكون مسؤولًا أمام أحد غير الله.

ثانيا: "نظريات المصدر الشعبي للسلطة"  : إن السلطة تجد مصدرها في الشعب الذي يمنحها للحكام، حيث إن الشعب يضع حدودًا وحواجز تَحوُل دون تَحَوْل سلطة الدولة إلى سلطة مطلقة، وأهم هذه النظريات هي:-

١- ”نظرية سيادة الأمة": إن السيادة وفق هذه النظرية تكون بيد الأمة، والأمة هي شخصية قانونية مستقلة عن المواطنين الذين تتكون منهم، ولكن يمثل الأمة كشخص معنوي فئة من المواطنين ذات صفات محددة، لذلك نجد الأمة لا تعبر عن إرادة المواطنين في الحاضر فقط  وإنما يدخل في تكوينها أعراف وقيم وصفات الماضي والمستقبل، ويترتب على هذا أن يكون الاقتراع ليس شاملًا لكل بالغي سن الرشد السياسي وإنما يكون بالمواطنين الذين تتوفر فيهم شروط تتعلق بالعلم والثروة والذين يستطيعون القيام بمسؤوليات اجتماعية، وبناءً على ذلك يصبح هذا الاقتراع ليس حقا بل وظيفة يؤدونها باسم الأمة ولصالحها،  وهذه الوظيفة تصبح واجبًا.

٢- ” نظرية السيادة الشعبية" : وفق هذه النظرية تعد السلطة ملكًا لجميع أفراد الشعب السياسي، ولذلك تختلف هذه النظرية عن سابقتها؛ حيث لا تعد الأمة وحدة مجردة مستقلة عن الأفراد وتخصها بالسيادة، ومن ثَم، تكون سلطة الدولة حقًّا لكل الأفراد البالغي سن الرشد السياسي في ممارسة هذه السلطة  سواء أكان ذلك بصورة مباشرة عن طريق الاستفتاء أو غير مباشرة عن طريق ممثليه المنتخبين، ولذلك ترفض نظرية السيادة الشعبية الآراء التي جاءت بها نظرية السيادة ولا تقر بوضع الأمة فوق المواطنين بل تعتبر كل السلطة ملكًا لكل الشعب السياسي، ونتيجة لذلك أخذت نظرية السيادة الشعبية بالاقتراع العام لجميع المواطنين دون تمييز؛ حيث تعد كل فرد من أفراد الشعب السياسي يملك جزءًا من سلطةً الدولة، وبالتالي فإن ذلك يجعل الانتخاب حقًّا أساسيًّا لكل المواطنين السياسين.

لذا يمكن القول بإن الانتخاب حقّ أساسيّ لكل مواطن، وتكون ممارسته عملًا اختياريًّا لا تخضع إلا لشروط السن والأهلية والتمتع بالحقوق المدنية، ولهذا  يكون النواب وفق هذه النظرية هم وكلاء عن الشعب، فيمكن محاسبتهم وإبدالهم عن طريق الشعب السياسي، وذلك عن طريق الاستفتاء.

 

مصادر الشرعية:

وفي نفس السياق يعود الباحثون المعاصرون المهتمون بمسألة الشرعية في تعريفهم للشرعية إلى عالم الاجتماع ماكس فيبر- Max Weber ، الذي حدد أنواعًا ثلاثة مثالية لمصادرالشرعية، التي تجعل الشعب يتقبل السلطة الحاكمة وقراراتها، هي  -:

الأول: "يقوم على التراث والتقاليد":  ويقصد به مجموعة التقاليد الدينية والأعراف التقليدية والعشائرية التي تعتمدها القيادة السياسية في تحقيق رضا المحكومين، وذلك انطلاقا من الدين والتقاليد، أي أن المحكومين قد يقتنعون بمصدر تقليدي للشرعية مثالًا في مرحلة تاريخية معينة، ولكنهم في مرحلة تالية قد لا يقتنعون بهذا المصدر لأسباب عديدة، ومثالنا على ذلك، الحق الإلهي في أوروبا في القرون الوسطى، والذي كان مصدرًا تقليديًا للشرعية تقبله المحكومون لقرون طويلة، ولكنه تعرض للتآكل ثم السقوط النهائي في قرون تالية، وحل محله مصدر آخر للشرعية لا يقبل المحكومون بغيره بديلًا وهو العقلانية القانونية.

الثاني: "يقوم على الزعامة الكارزمية": فيكون الحاكم نفسه هو مصدر الشرعية، فالقيادات الكاريزمية سعت إلى تكريس حكمها وتقويته من خلال تقلدها المناصب السياسية وسيطرتها على المراكز الدولية كافة، إذ أصبحت قراراتها السياسية هي قرارات ذات صيغة فردية لا تخضع بالدرجة الأولى إلى الطرق المؤسسية القانونية في عملية صنع القرارات وإنما تعبر عن شخصه وفكره فقط، الأمر الذي أفقد هذه القيادات شرعيتها في الاستمرار والبقاء، ولكن هذا المصدر للشرعية هو مصدر غير دائم؛ إذ يزول بزوال ذلك القائد وهذا ما لا يخدم النظام السياسي القائم فهو بمثابة مصدرًا شرعيًّا مؤقتًا.

الثالث: "يقوم على العقلانية – القانونية": فضمن هذه الشرعية تقوم السلطة على قوانين تعتمد على الدستور وترتبط به، مما يضفي عليها طابع المشروعية، كما أن السيطرة تكون عقلانية عندما لا تتأسس على سمو يتجاوز الواقع المادي أو التقاليد أو على التعلق بشخص وإنما على الطابع العقلاني والفعال للسلطة. 

وهكذا فإن السلطة المشروعة لا تبرر ذاتها بالاستناد إلى مبادئ سامية، وإنما يكفي أن تعطي المؤسسات خياراتها وتصرفاتها صيغة قانونية وتكتسب الطابع القانوني، وعليه فيوجد تطابق بين المبرر السياسي والمشروعية وبين الشرعية والقانون.

 ولم يتم الاكتفاء بما قدمه ماكس فيبر- Max Weber، حيث أوضح بعض المفكرين السياسين أن هناك مصادر وأنماطًا أخرى للشرعية يمكن التمييز بينها، كالآتي : نمط "الشرعية الثورية"، وتتمثل في الثورة من أجل الاستقلال، وهي في حد ذاتها مصدر لشرعية من تولوا الحكم في أعقابها. وأيضًا نمط "الشرعية الدستورية"، بمعنى أن تكون مبادرات الحكم قابلة للتوقع، لأنها مشروطة بشبكة من القوانين، ويعتمد النظام السياسي المشاركة في الحكم، وتؤدي فيه المؤسسات دوراً فاعلاً في العملية السياسية، هذا إلى جانب نمط "الشرعية الديمقراطية"، وهي سلطة الحكام مخولة لهم من قبل المحكومين، وأن السلطة تكون شرعية إذا كانت تقدم الصفات التي تتماشى أو تتطابق مع الفكرة السائدة عند المواطنين عن شرعية السلطة، وتكون السلطة مشروعة إذا كانت خاضعة للقانون الوضعي، أو كانت إقامتها متماشية مع القانون الوضعي السابق الوجود عليها أي تتماشى مع الدستور.

 

أزمة الشرعية: 

تجدر الإشارة إلى أن الشرعية عملية تطورية، بمعنى أنها يمكن أن توجد بدرجات متفاوتة قابلة للنمو أو التضاؤل، فكثير من النخب الحاكمة قد تستولى على السلطة دون سند من مصادر الشرعية، ولكنها بمرور الوقت تكتسب شرعيتها، وكذلك العكس نجد نظامًا حاكمًا يبدأ حكمه وهو مستند إلى شرعية واضحة ولكنه بمرور الوقت قد يفقد هذه الشرعية.

 ومن هنا تحاول كل الأنظمة الحاكمة بغض النظر عن كيفية وصولها إلى السلطة، أن تكرس شرعيتها، ولذلك فإن عدم نجاح هذه الأنظمة في تكريس شرعيتها يعد من أعقد وأخطر الأزمات التي يمكن أن تقع فيها وتتعرض لها الأنظمة السياسية،  فيما يطلق عليه "أزمة الشرعية"، ولهذا فإن أزمة الشرعية كانت ولا تزال أكبر هاجس يواجه الدول والأنظمة السياسية؛ حيث أن توافر عنصر الشرعية من أهم أسباب استقرار أي نظام أو سلطة.

وأزمة الشرعية كما يعرفها لوسيان باي - Pay  "هي انهيار في البنية التأسيسية وفي أداء حكومة معينة، والذي ينجم عن خلافات حول ماهية الطبيعة الأمثل والأنسب للسلطة في النظام السياسي"،  فأزمة الشرعية عند باي – Pay هي ذلك الانهيار والاضطراب الذي يحدث في البنى السلطوية للنظام السياسي، وينعكس سلبًا على الأداء الحكومي نتيجة تضارب أو عدم ملائمة الادعاءات الخاصة بحق القيادة في السلطة، وهذا بسبب استناد مبرراتهم الإيديولوجية أو دعواهم بشأن الحق في السلطة إلى قراءات غير مقبولة للتاريخ أو تنبؤات خاطئة بالتطورات المستقبلية.
ومن هنا يرى كارل دويتش- Karl Deutsch أن أزمة الشرعية ليست متعلقة فقط بالجانب الإيديولوجي المبرر للقيادة بحق ممارسة السلطة، ولا بالجانب القانوني المتعلق بكيفية الوصول إلى السلطة، بل هي عنده متعلقة بالعناصر البنيوية الثلاثة التي تقوم عليها الشرعية، وهي:

أ- العنصر الدستوري: وهو المتعلق بمدى توافق طريقة وأسلوب الوصول إلى السلطة وممارستها مع مبادئ البلاد الدستورية.

ب- عنصر التمثيل : وهو المتعلق بمدى اقتناع المحكومين بالذين يمثلونهم في السلطة وقبولهم بهم.

ج- عنصر الإنجاز: وهو المتعلق بمدى إنجاز السلطة لما هو منتظر منها من قبل المحكومين.

 

المصادر والمراجع:

أحمد ناصوري، النظام السياسي وجدلية الشرعية والمشروعية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية– المجلد 24 العدد الثاني-2008.

إحسان عبدالهادي، مفهوم الســلطة وشرعيتها: إشكالية المعنى والدلالة، المؤتمر العلمي الدولي الأول، إشباع رغبات الناس هي مصدر الشرعية للحكومة، مايو 2017. 

العمراوي فريدة، أزمة الشرعية في الأنظمة السياسية العربية دراسة حالة" مصر"،جامعة محمد خيضر- بسكرة - كلية الحقوق والعلوم السياسية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر.

- أميــــن بلعيفـــة، عبد النور زوامبية، أزمة الشرعية في الأنظمة السياسية العربية وانعكاساتها على الاستقرارالاجتماعي في المنطقة، المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية تيزي وزو، الرقم التسلسلي 1112-6590، العدد1 /2019. 

حسين عبدالقادر، الشرعية السياسية في ظل الانظمة السياسية العربية – الواقع والمأمول، مجلة البحوث السياسية والإدارية، جامعة الجلفة، مجلد 6، عدد 2، 2017. 

سعد الدين إبراهيم، علي الدين هلال، أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية . 1998.

علي الدين هلال، نيفين مسعد، النظم السياسية العربية، قضايا الاستمرار والتغيير، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية :2000.

عمار سعدون، التدخل الخارجي وأثره في بناء الشرعية للنظم العربية ،مجلة العلوم السياسية والقانون-العدد14آذار /مارس 9112- المجلد10– المركز الديمقراطي 38 العربي-ألمانيا-برلين.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia